فصل: (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهَا):

وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ فِي قِسْمَةِ الْأَرَاضِي وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ كَمَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرَاضِي وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فِي قِسْمَةِ الْأَرَاضِي وَإِنْ ذَكَرُوا الْحُقُوقَ وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرُوا الْمَرَافِقَ مَكَانَ الْحُقُوقِ لَا تَدْخُلُ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهَا وَمِنْهَا إنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِهَا لَا تَدْخُلُ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا تَدْخُلْ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ، وَالْأَمْتِعَةُ الْمَوْضُوعَةُ فِيهَا لَا تَدْخُلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ هَلْ يَدْخُلَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ فِي الْقِسْمَةِ؟ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ قَوْمٍ مِيرَاثًا اقْتَسَمُوهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَأَصَابَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ قَرَاحٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَهُ شِرْبُهُ وَطَرِيقُهُ وَمَسِيلُ مِائَةِ وَكُلُّ حَقٍّ لَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ نَخْلٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِمْ فَاقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ اثْنَانِ مِنْهُمْ الْأَرْضَ وَيَأْخُذَ الثَّالِثُ النَّخِيلَ بِأُصُولِهَا فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّ النَّخْلَةَ بِأَصْلِهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطِ وَلَوْ شَرَطُوا لِأَحَدِهِمْ فِي الْقِسْمَةِ حَائِطًا بِنَصِيبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَإِنْ شَرَطُوا أَنَّ لِفُلَانٍ هَذِهِ الْقِطْعَةَ وَهَذِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَةُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ وَلِلْآخَرِ قِطْعَةً أُخْرَى وَلِلثَّالِثِ الْقِطْعَةَ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ النَّخْلَةُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ النَّخْلَةَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَالنَّخْلَةُ لِصَاحِبِهَا بِأَصْلِهَا لِأَنَّ النَّخْلَةَ كَالْحَائِطِ وَبِتَسْمِيَةِ الْحَائِطِ يَسْتَحِقُّهَا بِأَصْلِهَا وَهَذِهِ نَخْلَةٌ مَا لَمْ تُقْطَعْ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَهُوَ جِذْعٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّخْلَةِ أَصْلُهَا فَإِنْ قَطَعَهَا فَلَهُ أَنْ يَغْرِسَ فِي مَوْضِعِهَا مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ إلَيْهَا فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الضَّرَرِ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى نَخْلَتِهِ فَإِنْ ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ الطَّرِيقُ إلَى نَخْلَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الشَّجَرَةَ تُسْتَحَقُّ بِأَصْلِهَا فِي الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ ذَلِكَ.
بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ الْأَرْضِ مَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعُرُوقِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ أَعْنِي عُرُوقًا لَوْ قُطِعَتْ يَبِسَتْ الشَّجَرَةُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَدْخُلُ مِنْ الْأَرْضِ مِقْدَارُ غِلَظِ الشَّجَرَةِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا ازْدَادَتْ النَّخْلَةُ غِلَظًا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَنْحِتَ مَا ازْدَادَتْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِمِقْدَارِ غِلَظِ الشَّجَرَةِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
قَوْمٌ اقْتَسَمُوا ضَيْعَةً فَأَصَابَ بَعْضَهُمْ بُسْتَانٌ وَكَرْمٌ وَبُيُوتٌ وَكَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ لَمْ يَكْتُبُوا فَلَهُ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ وَاقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ أَحَدُهُمْ قَرَاحًا وَغَلَّاتٍ فِي قَرَاحٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ كَرْمًا فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَأَرْضٌ وَرَحَا مَاءٍ بَيْنَ قَوْمٍ بِالْمِيرَاثِ فَاقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ الرَّجُلُ الرَّحَا وَنَهَرَهَا وَأَصَابَ الْآخَرُ الْبُيُوتَ وَأَقْرِحَةً مُسَمَّاةً وَأَصَابَ آخَرُ أَيْضًا أَقْرِحَةً مُسَمَّاةً فَاقْتَسَمُوهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَأَرَادَ صَاحِبُ النَّهْرِ أَنْ يَمُرَّ إلَى نَهْرِهِ فِي أَرْضٍ أَصَابَ صَاحِبَهُ بِالْقِسْمَةِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إذَا كَانَ النَّهْرُ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَرْضِهِ وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى النَّهْرِ بِدُونِ أَرْضِهِ بِأَنْ كَانَ النَّهْرُ مُنْفَرِجًا عَنْ حَدِّ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي أَرْضِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ إلَى النَّهْرِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى النَّهْرِ بِدُونِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْقِسْمَةِ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَكَانَ الطَّرِيقُ إلَى النَّهْرِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَتْحُ الطَّرِيقِ فِي نَصِيبِهِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ إلَّا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُ الطَّرِيقِ فِي نَصِيبِهِ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ الْمُرُورُ فِي بَطْنِ النَّهْرِ بِأَنْ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الْمُرُورُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَمُرَّ فِي نَصِيبِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ جَائِزَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ النَّهْرِ شَيْءٌ مَكْشُوفٌ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلنَّهْرِ مُسَنَّاةٌ مِنْ جَانِبَيْهِ يَكُونُ طَرِيقُهُ عَلَيْهَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَطَرِيقُهُ عَلَيْهَا دُونَ أَرْضِ صَاحِبِهِ.
وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنَّهْرِ بِالتَّطَرُّقِ عَلَى مُسَنَّاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُسَنَّاةَ فِي الْقِسْمَةِ فَاخْتَلَفَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالنَّهْرِ فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ لِمَلْقَى طِينِهِ وَطَرِيقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ-
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْرِ طَرِيقٌ فِي أَرْضِ قِسْمَةٍ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إذَا عَلِمَ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ، وَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا فِي أَرْضِ الْآخَرِ وَاشْتَرَطَا أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ فَهُوَ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ يَصُبُّ فِي أَجَمَةٍ كَانَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الصَّبِّ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوهَا فَوَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ بَيْتٌ فِيهِ حَمَامَاتٌ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحَمَامَاتِ فِي الْقِسْمَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمْ كَمَا كَانَتْ وَإِنْ ذَكَرُوهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَبَيْعُ الْحَمَامَاتِ إذَا كَانَتْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَمَامَاتُ تُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَمَامَاتِ إذَا كَانَتْ تُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَسَمُوهَا بِاللَّيْلِ حِينَ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا فِي الْبَيْتِ أَمَّا إذَا اقْتَسَمُوهَا بِالنَّهَارِ بَعْدَمَا خَرَجَتْ مِنْ الْبَيْتِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا طَائِفَةً وَالْآخَرُ طَائِفَةً وَفِي نَصِيبِ الْآخَرِ ظُلَّةٌ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ كَنِيفٌ شَارِعٌ فَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ فَالْكَنِيفُ الشَّارِعُ يَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ سَوَاءٌ ذَكَرَا الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَا، وَالظُّلَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَدْخُلُ إذَا كَانَ مَفْتَحُهَا فِي الدَّارِ سَوَاءٌ ذَكَرَا الْحُقُوقَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فَإِنْ هَدَمَ أَهْلُ الطَّرِيقِ تِلْكَ الظُّلَّةَ لَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
كَرْمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُ وَجَعَلَا الطَّرِيقَ الْقَدِيمَ لِأَحَدِهِمَا وَتَرَكَا طَرِيقًا حَدِيثًا لِلْآخَرِ وَفِي الطَّرِيقِ الْحَدِيثِ أَشْجَارٌ يُنْظَرُ إنْ جَعَلَا تِلْكَ الطَّرِيقَ لَهُ فَالْأَشْجَارُ لَهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالْأَشْجَارُ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَإِنْ جَعَلَا حَقَّ الْمُرُورِ لَهُ فَالْأَشْجَارُ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لَهُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ دَارٌ فَرَفَعَا بَابًا مِنْهَا وَوَضَعَاهُ فِيهَا ثُمَّ قَسَمَا الدَّارَ فَالْبَابُ الْمَوْضُوعُ لَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِالذِّكْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْحَوْضُ لَا يُقْسَمُ سَوَاءٌ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ أَوْ أَقَلَّ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْقِسْمَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِيهَا):

يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقَعُ لِوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي سَهْمٍ بِعَيْنِهِ بِنَفْسِ الْقِسْمَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ مَعَانٍ أَرْبَعَةٍ: إمَّا الْقَبْضُ أَوْ قَضَاءُ الْقَاضِي أَوْ الْقُرْعَةُ أَوْ بِأَنْ يُوَكِّلُوا رَجُلًا يُلْزِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَقْرَعَا فَأَصَابَ هَذَا طَائِفَةٌ وَهَذَا طَائِفَةٌ ثُمَّ نَدِمَ أَحَدُهُمَا فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَمَّتْ بِخُرُوجِ السِّهَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَا بِرَجُلٍ فَقَسَمَهَا وَلَمْ يَأْلُ أَنْ يَعْدِلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَخَرَجَ قُرْعَةُ أَحَدِهِمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ فَإِنْ خَرَجَ قُرْعَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ أَرْبَعَةً مَا لَمْ يَخْرُجْ قُرْعَةُ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَاسِمُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي فَيَرْجِعُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ السِّهَامُ كُلُّهَا إلَّا لِوَاحِدٍ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ هَاهُنَا يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ بَيْنَهُمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ وَبِخُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ لَا يُتِمُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ غَنَمٌ بَيْنَ قَوْمٍ تَسَاهَمُوا عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوهَا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَوَّلًا عَدُّوا لَهُ كَذَا الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمِيرَاثِ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَجَعَلُوا الْإِبِلَ قِسْمًا وَالْبَقَرَ قِسْمًا وَالْغَنَمَ قِسْمًا ثُمَّ تَسَاهَمُوا عَلَيْهَا وَأَقْرَعُوا فَهَذَا جَائِزٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْمِيرَاثِ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَجَعَلُوا الْإِبِلَ قِسْمًا وَالْبَقَرَ قِسْمًا وَالْغَنَمَ قِسْمًا ثُمَّ تَسَاهَمُوا عَلَيْهَا وَأَقْرَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ الْإِبِلُ رَدَّ كَذَا دِرْهَمًا عَلَى صَاحِبَيْهِ نِصْفَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقَعْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بِمَا قَالَا قَبْلَ وُقُوعِ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بَعْدَ وُقُوعِ الْحُدُودِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْقُرْعَةَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى لِإِثْبَاتِ حَقِّ الْبَعْضِ وَإِبْطَالِ حَقِّ الْبَعْضِ وَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ كَمَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ثُمَّ يُقْرِعُ، وَالثَّانِيَةُ لِطِيبَةِ النَّفْسِ وَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَالْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ لِلسَّفَرِ وَالْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْبِدَايَةِ لِلْقَسْمِ، وَالثَّالِثَةُ لِإِثْبَاتِ حَقِّ وَاحِدٍ فِي مُقَابَلَةِ مِثْلِهِ فَيُفْرِزُ بِهَا حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أَوَّلًا أَعْطَيْتُهُ جُزْءًا مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ فِي الْخُرُوجِ بِجَنْبِ نَصِيبِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْخِيَارِ فِي الْقِسْمَةِ):

الْقِسْمَةُ ثَلَاثُ أَنْوَاعٍ: قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.
وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ: خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ، فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ أَجْمَعُ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ؟ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَكُلَّ مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ وَأَثْبَتَ فِي قِسْمَتِهَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا: أَرَادَ بِمَا قَالَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جَمِيعًا وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ جَمِيعًا لَا أَحَدَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ حَتَّى يَكُونَ الْمَقْسُومُ أَجْنَاسًا فَيَكُونُ قِسْمَةً لَا يُوجِبُهَا الْحُكْمُ بِتَرَاضِيهِمَا فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْحِنْطَةَ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالشَّعِيرَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صِفَتُهَا مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ عِلْكَةً وَالْبَعْضُ رَخْوًا أَوْ الْبَعْضُ حُمْرًا وَالْبَعْضُ بِيضًا وَاقْتَسَمَا كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ الْقِسْمَةُ وَاقِعَةً عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ أَوْ كَانَتْ صِفَتُهَا وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهُ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَعْلَى الصُّبْرَةِ وَأَصَابَ الْآخَرُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الذَّهَبِ التِّبْرِ وَالْفِضَّةِ التِّبْرِ وَكَذَلِكَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا وَكَذَلِكَ السِّلَاحُ وَالسُّيُوفُ وَالسُّرُوجُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا كَانَتْ أَلْفَا دِرْهَمٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كُلُّ أَلْفٍ فِي كِيسٍ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا كِيسًا وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الْكِيسَ الْآخَرَ وَقَدْ رَأَى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَرَهُ الْآخَرُ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الَّذِي رَآهُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَالَ شَرَّهُمَا فَيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِذَا قَسَّمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَقَدْ رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَاهِرَ الدَّارِ وَظَاهِرَ الْمَنْزِلِ الَّذِي أَصَابَهُ وَلَمْ يَرَ جَوْفَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا بُسْتَانًا وَكَرْمًا فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا الْبُسْتَانُ وَالْآخَرَ الْكَرْمُ وَلَمْ يَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الَّذِي أَصَابَهُ وَلَا رَأَى جَوْفَهُ وَلَا نَخْلَهُ وَلَا شَجَرَهُ وَلَكِنَّهُ رَأَى الْحَائِطَ مِنْ ظَاهِرِهِ فَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ، وَرُؤْيَةُ الظَّاهِرِ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ الْمَطْوِيَّةِ يُجْعَلُ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: وَلَا رَأَى شَجَرَهُ وَلَا نَخْلَهُ.
كُلُّ الشَّجَرِ وَكُلُّ النَّخْلِ إنَّمَا رَأَى رُءُوسَ الْأَشْجَارِ وَرُءُوسَ النَّخِيلِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَرَ رُءُوسَ الْأَشْجَارِ أَيْضًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا الْقَائِلُ هَكَذَا يَقُولُ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ يَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ هَذَا الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ يَثْبُتُ فِي نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ جَمِيعًا وَمَنْ وَجَدَ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَيْبًا فِي شَيْءٍ مِنْ قَسْمِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّ جَمِيعَ نَصِيبِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْسُومُ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ أَوْ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَرُدُّ جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً كَالْأَغْنَامِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ وَمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ كَذَا يَبْطُلُ بِهِ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِذَا اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ بَعْدَمَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا اسْتِحْسَانًا.
وَإِذَا دَاوَمَ عَلَى سُكْنَى الدَّارِ بَعْدَمَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ بِالدَّارِ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ اسْتِحْسَانًا أَيْضًا وَإِذَا دَاوَمَ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ دَاوَمَ بَعْدَمَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَأَمَّا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ: إذَا سَكَنَ الدَّارَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ دَاوَمَ عَلَى السُّكْنَى ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا سَكَنَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا أَنْشَأَ السُّكْنَى وَبَيْنَ مَا إذَا دَاوَمَ عَلَى السُّكْنَى فَمَنْ فَرَّقَ مِنْ الْمَشَايِخِ بَيْنَ إنْشَاءِ السُّكْنَى وَبَيْنَ الدَّوَامِ عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَيَقُولُ: خِيَارُ الشَّرْطِ يَبْطُلُ بِإِنْشَاءِ السُّكْنَى وَلَا يَبْطُلُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ قَالَ: خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْقِسْمَةِ لَا يَبْطُلُ لَا بِإِنْشَاءِ السُّكْنَى وَلَا بِدَوَامِهَا قَالَ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَبْطُلُ بِإِنْشَاءِ السُّكْنَى وَبِدَوَامِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ السُّكْنَى فِي خِيَارِ الْعَيْبِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ مُدَّةَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَدْ تَطُولُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَعَسَى لَا يَرْضَى بِهِ خَصْمُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ سَابِقَةَ الْخُصُومَةِ وَعَسَى تَطُولُ فَمَتَى لَمْ يَسْكُنْهَا تَخْرَبُ لِأَنَّ الدَّارَ تَخْرَبُ إذَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَيَعْجَزُ عَنْ الرَّدِّ حِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى السُّكْنَى؛ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فَأَمَّا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى السُّكْنَى لِإِمْكَانِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَلَا تَطُولُ مُدَّةُ الرَّدِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى السُّكْنَى؛ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ فَكَانَ لِاخْتِيَارِ الْمِلْكِ فَيُوجِبُ سُقُوطَ خِيَارِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا بَاعَ مَا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ مِنْ الدَّارِ وَلَا يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ، وَالْبَيِّنَةُ فِي ذَلِكَ وَإِبَاءُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ هَدَمَ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَاسَمَهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى مَنْ قَاسَمَهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ قَوْلُ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي هَدَمَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ إلَّا أَنْ يَرْضُوا بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَرَدِّهِ بِعَيْنِهِ مَهْدُومًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
خِيَارُ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْوِفَاقِ وَعَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ يَبْطُلُ بِهِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ حَتَّى يَجُوزَ اشْتِرَاطُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ يَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثُ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْخِيَارِ فِي الثَّلَاثِ وَادَّعَى الْآخَرُ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الرَّدَّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ يَلِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْغَيْرِ وَمَنْ لَا يَلِي):

الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ بَيْعَ شَيْءٍ مَلَكَ قِسْمَتَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قِسْمَةُ الْأَبِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَبْنٌ فَاحِشٌ وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيُّ الْأَبِ وَتَجُوزُ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْأُمِّ فِيمَا تَرَكَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَتَصَرُّفُهَا فِيمَا هُوَ مِلْكُ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ صَحِيحٌ بِالْبَيْعِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ، وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ الْغَائِبَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْكَافِرِ أَوْ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُكَاتَبِ عَلَى ابْنِهِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ الْمُسْلِمِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى اللَّقِيطِ وَإِنْ كَانَ يَعُولُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا جَعَلَ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَقَاسَمَ عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ جَازَ، وَلَوْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي النَّفَقَةِ أَوْ فِي حِفْظِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ إذَا جَعَلَهُ الْأَبُ وَصِيًّا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ إذَا قَاسَمَ مَالَ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ بَيْنَهُمْ يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ بَعْضِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ مِنْ الْبَعْضِ، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مُشَاعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمَ مَعَ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ نَصِيبَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ حِصَّةَ الصَّغِيرِ الَّذِي بَاعَ نَصِيبَهُ لِذَلِكَ الصَّغِيرِ فَيَمْتَازَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّغِيرَيْنِ وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهَا جَرَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْوَصِيِّ، وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزَةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلصَّغِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَقْسِمَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ فِيهَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَالْكِبَارُ حُضُورٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْكِبَارَ وَمَيَّزَ نَصِيبَ الصِّغَارِ جُمْلَةً وَلَمْ يَفْرِزْ نَصِيبَ كُلِّ صَغِيرٍ جَازَتْ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ حِصَّةَ الصِّغَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكِبَارِ الْغُيَّبِ فِي الْعَقَارِ وَتَجُوزُ قِسْمَتُهُ فِي الْعُرُوضِ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارًا وَبَعْضُهُمْ حُضُورٌ وَبَعْضُهُمْ غُيَّبٌ فَقَاسَمَ الْحُضُورَ وَأَفْرَزَ نَصِيبَهُمْ زَادَ الْبَقَّالِيُّ فِي كِتَابِهِ: الْعُرُوض مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ غَائِبٌ وَكِبَارٌ حُضُورٌ فَعَزَلَ الْوَصِيُّ نَصِيبَ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ مَعَ نَصِيبِ الصِّغَارِ وَقَاسَمَ الْكِبَارَ الْحُضُورَ جَازَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي الْعَقَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ بَيْعَ الْوَصِيِّ عَلَى الْكِبَارِ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ أَوْ مَعَهُمْ صَغِيرٌ فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا فَعَزَلَ الْوَصِيُّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَقَسَمَ بَيْنَ الْكُلِّ لَا تَجُوزُ أَصْلًا، وَلَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ فَدَفَعَ الثُّلُثَ إلَيْهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ صَحَّ، وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا غُيَّبًا فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ جَازَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ حُضُورٌ وَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ وَطَلَبَتْ الْوَرَثَةُ مِنْ الْوَصِيِّ أَنْ يَعْزِلَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ وَيَقْسِمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ كَانَ لَهُ أَلَّا يَقْسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَيَبِيعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَشَاعًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
إذَا قَسَمَ الْوَصِيَّانِ الْمَالَ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَأَخَذَ الْآخَرُ نَصِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا غَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَقَاسَمَ الْآخَرُ الْوَرَثَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ وَكَالَتِهِ فِي حَالَةِ صِحَّتِهِ وَإِفَاقَتِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَصِيٌّ ذِمِّيٌّ وَالْوَرَثَةُ مُسْلِمُونَ يُخْرَجُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَتَجُوزُ قِسْمَتُهُ إنْ فَعَلَهَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ لَيْسَتْ إلَّا تَوْكِيلًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ حَالَ الْحَيَاةِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُتَّهَمٌ بِالْخِيَانَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يُعَادِيهِ فِي الدِّينِ فَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْوِصَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَصِيٌّ فَتَجُوزُ قِسْمَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لِغَيْرِ الْمَيِّتِ وَصِيٌّ مَا لَمْ يُخْرَجْ لِأَنَّهُ يُصْبِحُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَيُخْرَجُ مِنْ الْوِصَايَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْقِسْمَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَكُونَانِ بَيْنَهُمْ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهُمَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنِّي أُجْبِرُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ كَمَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى قِسْمَةِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ اقْتَسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمَا خَمْرًا وَفُضِّلَ بَعْضُهُمْ فِي كَيْلِهَا لَمْ يَجُزْ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِذَا كَانَ وَصِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا كُرِهَتْ لَهُ مُقَاسَمَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَكِنَّهُ يُوَكِّلُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسِمُ لِلصَّغِيرِ وَيَبِيعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ بِقِسْمَةِ مِيرَاثٍ فِيهِ خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ الْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فِيهِ فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا بِهِ جَازَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا يُقَاسِمُ الْخُمُورَ وَالْخَنَازِيرَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْخَمْرِ فَجَعَلَهُ خَلًّا كَانَ الْمُسْلِمُ ضَامِنًا لِحِصَّةِ شُرَكَائِهِ مِنْ الْخَمْرِ الَّذِي خَلَّلَهُ وَيَكُونُ الْخَلُّ لَهُ وَإِذَا كَانَ فِي تَرِكَةِ الذِّمِّيِّ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ وَغُرَمَاؤُهُ مُسْلِمُونَ وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ بِبَيْعِ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَبِيعَهُ وَيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ قَاسَمَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ عَلَى ابْنِهِ الذِّمِّيِّ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ مِثْلَهُ جَازَتْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمُسْتَأْمَنِ عَلَى ابْنِهِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ الذِّمِّيِّ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَقِسْمَةُ الْمُرْتَدِّ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى الْخِلَافِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُرْتَدِّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَلَى وَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ مِثْلِهِ مُرْتَدٍّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقِسْمَةُ الْمَأْذُونِ مِثْلُ قِسْمَةِ الْحُرِّ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ فَسْخُهَا وَلَا تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ رِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَصَارَ ذَلِكَ لِمَوْلَاهُ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ كَمَا لَا يَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِالْقِسْمَةِ وَكِيلًا ثُمَّ عَجَزَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَجُزْ لِوَكِيلِهِ أَنْ يُقَاسِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ أُعْتِقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى الْمُكَاتَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى وَصِيٍّ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ وَرَثَةَ الْمُكَاتَبِ الْكِبَارَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَإِنَّ قِسْمَتَهُ فِي هَذَا جَائِزَةٌ عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ قِسْمَتُهُ وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَأَنَّهُ أَدَّى الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ فَيَكُونُ وَصِيُّهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَوَصِيِّ الْحُرِّ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: وَصِيَّتُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ الْحُرِّ فِي حَقِّ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ حَتَّى تَجُوزَ قِسْمَتُهُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ، وَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ أَصَحُّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ سَعَوْا فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ تَجُزْ فَإِنْ أَدَّوْا الْمُكَاتَبَةَ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوا الْقِسْمَةَ أَجَزْتُ الْقِسْمَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَعَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ دَيْنٌ أَوْ مُوصًى لَهُ وَفِي ظُهُورِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَفِي دَعْوَى الْوَارِثِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ أَوْ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ):

وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَحَدَ الْبَاقُونَ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ نَصِيبُهُ يَفِي لِكُلِّ دَيْنٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارَ الْمَيِّتِ أَوْ أَرْضَ الْمَيِّتِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَجَاءَ الْغَرِيمُ يَطْلُبُ الدَّيْنَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِذَا طَلَبُوا قِسْمَةَ التَّرِكَةِ مِنْ الْقَاضِي وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ فِي الْقِسْمَةِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْقِيَاسُ أَلَّا يَقْسِمَهَا أَيْضًا بَلْ يُوقِفَ الْكُلَّ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُوقِفُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ سَأَلَهُمْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ.
سَأَلَهُمْ عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ وَإِنْ قَالُوا: لَا دَيْنَ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ هَلْ فِيهَا وَصِيَّةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ.
سَأَلَهُمْ أَنَّهَا حَصَلَتْ بِالْعَيْنِ أَوْ مُرْسَلَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ قَالُوا: لَا وَصِيَّةَ فِيهَا.
قَسَمَهَا حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ نَقَضَ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَسْأَلْ الْوَرَثَةَ عَنْ الدَّيْنِ وَقَسَمَ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى جَازَتْ الْقِسْمَةُ ظَاهِرًا ثُمَّ ظَهَرَ الدَّيْنُ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ إلَّا أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِمْ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْزِلْ الْوَرَثَةُ نَصِيبَ الْغَرِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ سِوَى مَا اقْتَسَمُوا.
أَمَّا إذَا عَزَلُوا نَصِيبَ الْغَرِيمِ أَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ سِوَى مَا اقْتَسَمُوا فَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفْهُ الشُّهُودُ أَوْ ظَهَرَ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ مِنْ مَالِنَا وَلَا نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ.
لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَى هَذَا الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ وَإِذَا ظَهَرَ غَرِيمٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُ مِنْ مَالِنَا وَلَا نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ.
لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُعْطُوا حَقَّهُ مِنْ مَالِهِمْ فَقَدْ قَصَدُوا شِرَاءَ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ، وَأَمَّا حَقُّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ فَلَيْسَ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ بَلْ فِي مَعْنَى التَّرِكَةِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَالِيَّةِ التَّرِكَةِ وَإِيفَاءُ حَقِّهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ وَمِنْ مَالِ الْوَارِثِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ حَقَّ الْغَرِيمِ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَلَّا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ بَلْ يُمْضِيهَا لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ قَدْ سَقَطَ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْوَارِثِ دَيْنٌ آخَرُ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَلَّا يَرْجِعَ فَأَمَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ أَوْ سَكَتَ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ إلَّا أَنْ يَقْضُوا حَقَّ الْقَاضِي مِنْ مَالِهِمْ لِأَنَّ دَيْنَ الْقَاضِي فِي التَّرِكَةِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْغَرِيمِ وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ، مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا سَكَتَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مُتَطَوِّعًا إذَا سَكَتَ، وَالْجَوَابُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْهُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْقَضَاءِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْغَرِيمَ لَوْ قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فَالْوَارِثُ لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ إذَا عَزَلَ الْقَاضِي نَصِيبَهُ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَنْقُضُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ لِلْغَرِيمِ حَقُّ نَقْضِ الْقِسْمَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
أَرَادُوا قِسْمَةَ التَّرِكَةِ وَفِيهَا دَيْنٌ فَالْحِيلَةُ فِيهَا أَنْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ لَا تَنْفُذُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ يَكُونُ حَوَالَةً فَيُنْقَلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ وَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَلَوْ قَضَى الدَّيْنَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَاقِينَ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مُطَالَبٌ حَتَّى لَوْ قَدَّمَهُ الْغَرِيمُ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَكَانَ مُجْبَرًا عَلَى الْقَضَاءِ وَمُضْطَرًّا فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّعَ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ دَارًا وَفِيهِمْ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَهْرًا عَلَى زَوْجِهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَسُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مِيرَاثٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَمَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمَيِّتِ الثَّانِي دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ فَاقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ الثَّانِي أَنْ يَطْلُبُوا الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَارِثِ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ كَذَا فِي التتارخانية.
وَلَوْ أَنَّ وَارِثًا ادَّعَى لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَصِيَّةً بِالثُّلُثِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَدْ قَسَمُوا الدَّارَ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تُبْطِلُ حَقَّ ابْنِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَصِيَّةَ ابْنِهِ وَلَا أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمَّتْ بِهِ وَمَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ ضَلَّ سَعْيُهُ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِابْنِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلِلِابْنِ إذَا كَبِرَ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَرُدَّ الْقِسْمَةَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا عَلَى قَدْرٍ مِنْ مِيرَاثِهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ أَخًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَدْ وَرِثَ أَبَاهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ أَبِيهِ فَوَرِثَهُ هُوَ وَأَرَادَ مِيرَاثَهُ مِنْهُ وَقَالَ: إنَّمَا قَسَمْتُمْ لِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي وَلَمْ يَكْتُبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ كَانُوا كَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ فَهُوَ نَفْيٌ لِدَعْوَاهُ وَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكْتُبُوا إزَالَةُ الْإِشْكَالِ وَبَيَانُ التَّسْوِيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي الْجَوَابِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا مِنْهُ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ لِأُمِّهِ وَرِثَهَا مِنْهَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا قَسَمَتْ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْمَيِّتِ فَاقْتَسَمُوا الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ جُمْلَةً بِأَنْ شَرَطُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ لِهَذَا الْوَارِثِ مَعَ هَذِهِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ الْآخَرِ لِهَذَا الْوَارِثِ الْآخَرِ مَعَ هَذِهِ الْعَيْنِ فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ اقْتَسَمُوا الْأَعْيَانَ ثُمَّ اقْتَسَمُوا الدُّيُونَ فَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ صَحِيحَةٌ وَقِسْمَةُ الدُّيُونِ بَاطِلَةٌ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ وَاقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَيْنَ غَرِيمٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ اقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُهُمْ سَائِرَ الدُّيُونِ فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ إنَّمَا ضَمِنَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، إنْ ضَمِنَ بِشَرْطِ إتْبَاعِ التَّرِكَةِ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ نَافِذَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُ نَقْضَهَا وَإِنْ ضَمِنَ عَلَى أَلَّا يُتْبِعَ الْمَيِّتَ وَلَا مِيرَاثَهُ بِشَيْءٍ وَعَلَى أَنْ يُبَرِّئَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ كَانَ هَذَا جَائِزًا إنْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِضَمَانِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِنْ أَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ نَقْضُ الْقِسْمَةِ فَإِنْ رَضُوا بِضَمَانِهِ وَأَبْرَءُوا الْمَيِّتَ ثُمَّ تَوِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ رَجَعُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ كَانَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ لَا تَنْفُذُ الْقِسْمَةُ وَإِنْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِضَمَانِهِ وَالْغَرِيمُ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ إذَا أَجَازَ الْقِسْمَةَ الَّتِي قَسَمَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي مِيرَاثًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ عَنْ أَبِيهِمْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا كَبِيرًا فَاقْتَسَمَ هُوَ وَعَمَّيْهِ الْأَرَاضِيَ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدِّ ثُمَّ إنَّ ابْنَ الِابْنِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ جَدَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَرَادَ إبْطَالَ الْقِسْمَةِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ وَصِيَّةً مِنْ الْجَدِّ وَلَكِنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ صَحَّتْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ وَيَثْبُتُ الدَّيْنُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَصَارَ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَابِتًا مُعَايَنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَيْسَ لِعَمَّيْهِ أَنْ يَقُولَا: إنَّ دَيْنَك عَلَى أَبِيك لَيْسَ عَلَى الْجَدِّ وَقَدْ أَعْطَيْنَاك نَصِيبَ أَبِيك فَإِنْ شِئْت فَبِعْهُ فِي الدَّيْنِ وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْهُ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَك فِي النَّقْضِ لِأَنَّ بَعْدَ النَّقْضِ يُقْضَى دَيْنُك مِنْ نَصِيبِ أَبِيك لَا مِنْ مِيرَاثِ الْجَدِّ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا بَلْ لِي فِي النَّقْضِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَشَاعًا رُبَّمَا يُشْتَرَى أَكْثَرَ مِمَّا يُشْتَرَى بِهِ مُفْرَدًا فَكَانَ فِي النَّقْضِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ بِهِ مَالُ الْمَيِّتِ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَتَقَابَضُوا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمْ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ قَسْمَهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ وَالشِّرَاءَ كِلَاهُمَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ أَوْ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْمَيِّتِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُتَنَاقِضًا فِي الدَّعْوَى لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْهُ قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى هُوَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَتْرُوكَةُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ مَا تَرَكَهُ وَالدَّيْنُ وَالْوَصِيَّةُ لَا يُنَافِيَانِ كَوْنَهَا مَتْرُوكَةَ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُقْضَيَانِ مِنْ مَتْرُوكِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ فِي الْإِقْرَارِ لَفْظَ لَهُمْ أَوْ لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ كَانَ قَالَ: تَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا لَهُمْ أَوْ قَالَ: لِوَرَثَتِهِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا مِيرَاثٌ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ لِلتَّنَاقُضِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
قَوْمٌ اقْتَسَمُوا دَارًا مِيرَاثًا عَنْ رَجُلٍ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ فَأَصَابَهَا الثُّمُنُ فَعُزِلَ لَهَا ثُمُنُهَا عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَعْزُولُ لَهَا أَنَّ زَوْجَهَا أَصْدَقَهَا إيَّاهَا أَوْ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا مِنْهُ بِصَدَاقِهَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَاعَدَتْهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ لِزَوْجِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَكَذَا لَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا وَأَرْضًا وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي قَسْمِ الْآخَرِ بِنَاءً أَوْ نَخْلًا زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.